من فقه الصيام في الإسلام د. زغلول النجار
من فقه الصيام في الإسلام (1)
الصوم في الإسلام يقتضي الإمساك عن المفطرات (وهي الطعام والشراب والجماع) من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس. والصيام منه الواجب كصوم شهر رمضان، وصوم النذر، ومنه ما هو مندوب كصيام ستة أيام من شهر شوال، وصيام الثلاثة أيام البيض من كل شهر قمري، وصيام الإثنين والخميس من كل أسبوع، ومنه ما هو مكروه كصوم يوم عرفة للحاج، ومنه ما هو منهي عنه كصوم يوم عيدي الفطر والأضحى وأيام التشريق.
وصوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه فرضه ربنا تبارك وتعالى على كل مسلم بالغ عاقل صحيح ومقيم، وذلك لقوله تعالى: *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* (البقرة:183)، وقوله تعالى: *فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ* (البقرة:185)، ولقول رسول الله ﷺ: "بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا".
ويثبت دخول شهر رمضان بالرؤية البصرية لمن يوثق في دينه وقوة بصره، كما يثبت بالرؤية بواسطة المراصد الفلكية، وبالحساب الفلكي المؤيد بالرؤية الفلكية أو البصرية.
ورؤية الهلال إذا ثبتت بعد غروب الشمس في أي بقعة من بقاع الأرض، فهي ملزمة لجميع أقطار الأرض متى علموا بها، وذلك لأن ميلاد الهلال هو حدث كوني غير مرتبط ببقعة محددة من الأرض، وذلك مع احتساب الفروق الزمنية بين منطقة جغرافية وأخرى وهي فروق لا تتعدى 12 ساعة بالزائد أو بالناقص. ولما كان كل من القمر والأرض يدور حول محوره من الغرب إلى الشرق، فإن البلاد في نصف الأرض الغربي ترى هلال أول الشهر القمري لفترة أطول من رؤية البلاد في نصفها الشرقي له.
والنية شرط في صحة الصيام، والمراد بالنية قصد الصوم طاعة لله تعالى وامتثالا لأوامره، والنية محلها القلب. وتبييت النية في صيام شهر رمضان واجب أو مندوب من غروب شمس اليوم السابق إلى ما قبل طلوع الفجر، وذلك لقول رسول الله ﷺ: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له". وتكفي نية واحدة لشهر رمضان كله في أول ليلة منه (ما لم يقطع الصيام لسفر أو مرض) وإن كانت النية في كل ليلة من ليالي شهر رمضان من الأمورالمستحبة.
والفجر الصادق (المستطير) هو البياض الذى ينتشر فى الأفق ومعه أواخر الحمرة، وهو وقت وجوب بدء الصيام، ووقت الأذان لصلاة الفجر. أما الفجر الكاذب فهو عبارة عن ستائر رأسية من نور تتدلى من السماء إلى الأرض بألوان الطيف ثم تختفى. والتقيد بضرورة الإمساك قبل طلوع الفجر الصادق هو طاعة لأمر ربنا تبارك وتعالى الذى يقول فيه: *...وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ...* (البقرة:187).
من فقه الصيام في الإسلام (2)
من سنن الصيام: تعجيل الفطر بعد التيقن من غروب الشمس، وقبل أداء صلاة المغرب. كذلك من سنن الصيام تأخير وجبة السحور إلى ما قبل طلوع الفجر الصَّادق، وفى ذلك يقول رسول الله ﷺ: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر"، وكان ﷺ يفطر قبل أن يصلى المغرب على رطبات، فإن لم يجد فتمرات، فإن لم يجد حسى حسوات من ماء.
ومن سنن الصيام الجود والكرم، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: "كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة"، وقال ﷺ: "من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شَيْء".
ومن سنن الصيام ضبط النفس من الغضب، لقول رسول الله ﷺ: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم...إني صائم".
ومن سنن الصيام الاجتهاد في إداء نوافل العبادات بعد أداء الفرائض، وذلك من مثل الاجتهاد في قيام ليالي رمضان بأداء صلاة التراويح، وبالعكوف على مدارسة القرآن، وذلك لقول رسول الله ﷺ: "الصيام والقرآن يشفعان يوم القيامة للعبد، يقول الصيام: أي رب: منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان".
ومن سنن شهر رمضان الحرص على أداء العمرة للقادر، وذلك لقول رسول الله ﷺ: "عمرة في رمضان تقضي حجة، أو قَال: حجة معي". ومن سنن هذا الشهر الفضيل الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان لما روته أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها من أن النبي ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده. ويندب للمعتكف أن ينشغل بكل من الصَّلاة والذ كر وتلاوة القرآن الكريم مع التدبر، ومدارسة العلوم الشرعية والقضايا الرئيسية للأمة الإسلامية، والذكر والاستغفار، ويكره له فضول الْكَلام. وأماكن الإعتكاف لكل من الرجال والشباب هى المساجد، أما إعتكاف كل من النساء والصبايا فيكون فى بيوتهن. وتبدأ فترة الإعتكاف من قبل غروب شمس العشرين من رمضان، وتنتهى مع غروب شمس اليوم الأخيرمن هذا الشهر المبارك، وإن إستحب بعض الفقهاء بقاء المعتكف فى معتكفه إلى ما بعد صلاة العيد. ويشترط فى المعتكف الطهارة، ويباح له الخروج من معتكفه كلما إحتاج إلى ذلك، وليس على المعتكف أن يعود مريضا أو أن يتبع جنازة أو أن يخرج من معتكفه إلا لضرورة.
من فقه الصيام في الإسلام (3)
- من موجبات الإفطار في رمضان: كل من الحيض والنفاس يوجب الفطر والقضاء فيما بعد، وذلك قبل رمضان التالي.
- من مبررات الإفطار في رمضان: كل من المرض والسفر يبيح الإفطار فى نهار رمضان ثم القضاء قبل رمضان التالى، والسفر المبيح للفطر هو السفر الطويل الذي يبيح قصر الصلاة (أكثر من 80 كم) وذلك لقول الله تعالى: *أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ...* (البقرة:184).
والمرض هنا هو المرض الذي يرجى شفاؤه، و لكن يشق معه الصوم، ويكون على صاحبه القضاء قبل رمضان التالي، ولكن إذا لم يكن المريض يتضرر بالصوم لم يبح له الفطر، وإذا تحمل هذا المريض المشقة وصام صح صومه، اما الذي يشق عليه الصوم لمرض مزمن لا يرجى برؤه، أو لشيخوخة طاعنة في السن فعليه الفدية بإطعام مسكين (وجبتين عن كل يوم، ويقدر ذلك بمد إلى مدين من القمح أو من غير ذلك من الطعام السائد في المنطقة، والمد يعادل ملء الكفين المتوسطين) وذلك انطلاقا من قوله تعالى: *وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ...* (البقرة: 184).
و المفطر فى هذه الحالة لا قضاء عليه إلا إذا زال عنه المرض بالكامل.
وفي كل حالات المرض والسفر التي يرخص فيها بالفطر، فإن الصوم للقادر عليه أفضل، وذلك لقول الحق تبارك وتعالى: *...وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* (البقرة: 184).
- والمسافر لا يفطر إلا إذا غادر بلده، فإن أفطر في بلده فعليه القضاء ولا كفارة عليْه، و إن عاد إلى بلده نهارا وجب عليه أن يمسك صيامه إذا كان صائما، فإن لم يكن صائما فله أن يأكل ويشرب في ستر بقية يومه. والمسافر لمدة قصيرة له أن يفطر ويقصر الصلاة أربعة أيام، فإن امتدت إقامته لأكثر من ذلك أتم الصلاة ووجب عليه الصوم.
- وأي من الحامل أوالمرضع إن خافت على نفسها أو على ولدها فيرخص لها بالفطر لقول رسول الله ﷺ: "إن الله وضع شطر الصلاة عن المسافر، ووضع عنه الصوم، ووضع عن الحامل والمرضع الصيام"، وفي رواية: "وأرخص فيه للمرضع والحبلى إذا خافتا على ولديهما"، وهذا الخوف يقرره الطبيب المسلم أو التجربة السابقة، والقضاء واجب في هذه الحالة.
- و كل من أصحاب المهن الشاقة يجوز له أن يفطرإذا كان لا يمكن له أن يتحمل الصيام، وعليه القضاء، بشرط أن يكون محتاجا لهذا العمل، وأنه يتضرر بتركه.
- ومن الأفضل قضاء الأيام التى أفطرها العبد المسلم في رمضان متتابعة، وإن جاز له أن يقضيها متفرقة.
- تأخير القضاء عن رمضان حتى دخول رمضان التالي بغير عذر شرعي كالمرض لا يجوز، ومن كان له عذر شرعي فإنه يقضي ولا يلزمه إطعام، وأما إن كان التأخير بغير عذر شرعي فعليه القضاء مع إطعام مسكين عن كل يوم.
د. زغلول النجار
موضوعات متعلقة
تحميل كتاب الإسراء والمعراج pdf للشيخ محمد متولى الشعراوى
الاعجاز العلمى فى السنة النبوية الصيام يقلل الإصابة بفيروس كورونا
كتاب صحيح البخارى الإمام محمد بن إسماعيل البخاري
تحميل كتاب ففروا إلى الله pdf للشيخ أبو ذر القلموني - ملخص كتاب ففروا إلى الل
مركز الأزهر العالمي لفتوى الأزهر يصدر كتابه الجديد «ولد الهدى ﷺ» للتعريف بسيدنا رسول اللهﷺ
النبى مُحَمَّدٌ صَــفوَةُ الباري وَرَحمَتُهُ ﷺ
الأزهر يدين هجوم «نيس» الإرهابي ويؤكد الأديان براء من تلك الأفعال الإجرامية
شيخ الأزهر يرفض تداول مصطلح "الإرهاب الإسلامي" ويطالب بتجريم استخدامه
تفسير القرآن الكريم للشيخ الشعراوي كاملا pdf
برنامج عملى لصيام شهر رمضان فى البيت
الاستعداد لشهر رمضان وفتاوى الصيام
المنهج الإسلامي فى التعامل مع طاعون عمواس
فضائل الصلاة على النبى محمد صلى الله عليه وسلم
تعليقات
إرسال تعليق